السبت، ١٢ يوليو ٢٠٠٨

اجابة سؤال : اذا كان ربك ينزل فلماذا تستغرب تجسده؟

السؤال :

ايها المسلم جاء في الحديث أن ربنا تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء حيث يبقي ثلث الليل الأخير يقول : من يدعوني فاستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له (صحيح البخاري 4: 68) فما هذا النزول كل ليلة إلى السماء الدنيا عند ثلث الليل الأخير ، فهل يتحدد بالنزول في زمان ومكان ؟ وهل يفرق هذا عن نزوله من سماء المجد إلى بيت لحم متجسدا في زمان ومكان ؟ ؟؟؟؟؟

أنت تعتقد بأن الله خلق الإنسان الأول من صلصال كالفخار (سورة الرحمن 55: 14) وهذا يعني أن الله قد وقف عند حد الزمان والمكان ، لأنه أمسك بيده طينا من بقعة محدودة وكون الإنسان منه في زمان محدود . فإن قلت أن وقوفه عند مكان وزمان محدودين ، لا يجعله محدودا لأنه قادر على كل شيء ، قلت لك : وكذلك تجسده في زمان معين وحيز معين لا يجعله محدودا ، لأنه قادر على كل شيء . هكذا قال المسيح : "غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (لوقا 18: 27).
و جاء في الحديث عن محمد أنه قال : إن المؤمنين حين يتشفعون ربهم يوم القيامة . يأتون إلي . فأنطلق فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي . فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا (صحيح البخاري 4: 18).
من هنا ينطلق سؤال : كيف يتهم المسيحي بالكفر عندما يقول إن الله ظهر في الجسد ، ولا يتهم الذي يقول إن الله تحتويه دار ؟

كما
جاء في سورة القصص 28: 29و 30 " فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس نم جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين " .

ووردت القصة عينها في سورة طه 20: 9-13 هكذا : " وهل آتاك حديث موسى إذ رأي نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلى أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحي ".

وقد فسر الإمام فخر الدين الرازي القصة هكذا: استأذن موسى عليه السلام شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له . فخرج فولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية ، وكانت ليلة الجمعة ، وقد حاد عن الطريق . فقدح موسى عليه السلام النار ، فلم تور المقدحة شيئا . فبينما هو في مزاولة ذلك ، إذ نظر نارا من بعيد عن يسار الطريق . قال السدي : ظن أنها نار من نيران الرعاة . وقال محدثون آخرون أنه عليه السلام رآها في شجرة .. فلما أبصر توجه نحوها فقال لأهله امكثوا إني أبصرت نارا ، لعلى آتيكم منها برأس عود أو فتيلة . فلما أتاها قال ابن عباس : رأي شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها . كأنها نار بيضاء . فتوقف متعجبا من شدة ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة . فلا النار تغير خضرتها ولا كثيرة ماء الشجرة تغير ضوء النار . فسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما.. فلما رأى موسى ذلك وضع يده على عينيه فنودي : يا موسى إني أنا ربك ، فقال لبيك ، إني أسمع صوتك ولا أراك ، فأين أنت؟ فقال أنا معك وأمامك وخلفك ومحيط بك وأقرب إليك .. فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس (التفسير الكبير جزء 22 صفحة 14-15).

أما في الكتاب المقدس فقد وردت القصة هكذا : " وظهر له (أي لموسى ) ملاك الرب بلهيب من نار من وسط عليقة ، فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار ، والعليقة لم تكن تحترق!.. فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال : " موسى موسى " . فقال :"هئنذا" فقال : " لا تقترب إلى ههنا . اخلع حذائك من رجليك ، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة " (خروج 3: 2-5).

ف
إن كان الله لكي يكلم موسى ويحمله رسالة إلى البشر ، استحسن أن يحل في شجرة ويظهر في هيئة نار ، أفلا يكون من التجني أن ينعت المسيحيون بالكفر ، لأنهم يؤمنون بأن الله لكي يعلن ذاته في المحبة ، ظهر في يسوع المسيح ؟! وهل الشجرة التي بدا الله فيها ، أعظم شأنا من المسيح؟

الرد على السؤال:
أولا بالنسبة للسؤال :
--فهل يتحدد بالنزول في زمان ومكان ؟ وهل يفرق هذا عن نزوله من سماء المجد إلى بيت لحم متجسدا في زمان ومكان ؟ ؟؟؟؟؟

إعتراض المسلم ليس عن تواجد الله في المكان والزمان بل الاعتراض هو (احتياج الله للتجسد حتى يتواجد في المكان والزمان). أنتم تقولون ان الله محتاج لذلك حتى يتفاعل ويخاطب خلقه, يحتاج الى ان يخرج مع الدم ثم يبكي ثم يرضع ثم يُحدث ما يلزم تنظيفه. وهذا نقص ! إذاً إذا كنت تعتقد ان الخلاف هو حول تواجد الله في المكان والزمان فأنت مخطئ. فأهل الجنة سيكلمون الله في زمان ومكان دون حاجة الله للتجسد.
ثانياً نزول الله ليس كنزول الأجسام ولم يقل مسلم ان الله يتحيز في مكان لان التحيز هو من خصائص الأجسام أما ذات الله ليست مجسمة.


ثانيا بالنسبة للجزء :
--فإن قلت أن وقوفه عند مكان وزمان محدودين ، لا يجعله محدودا لأنه قادر على كل شيء ، قلت لك : وكذلك تجسده في زمان معين وحيز معين لا يجعله محدودا .

هناك
تصحيح : لا نستعمل عبارة وقوف. لكن قصدك أن خلق الله لآدم بيده في زمن ومكان محددين يعادل تجسده. وهذا خطأ لأنك اعتبرته جسداً قبل ان تجسده, ستقول كيف ذلك؟ لأنك لو كنت حقاً تعتقد أن الله ليس جسداً لما طبقت عليه القوانين التي تطبقها فقط على الأجسام, ولما استنتجت ان تواجده في المكان يلزم تحيزه فيه أو تجسده.

ثالثاً بالنسبة للجزء :
--من هنا ينطلق سؤال : كيف يتهم المسيحي بالكفر عندما يقول إن الله ظهر في الجسد ، ولا يتهم الذي يقول إن الله تحتويه دار ؟

هذا فقط سوء فهم للغة ولا يقصد بالدار البناية التي لها شباك و باب.

رابعاً بالنسبة للجزء :
--فإن كان الله لكي يكلم موسى ويحمله رسالة إلى البشر ، استحسن أن يحل في شجرة ويظهر في هيئة نار ، أفلا يكون من التجني أن ينعت المسيحيون بالكفر ، لأنهم يؤمنون بأن الله لكي يعلن ذاته في المحبة ، ظهر في يسوع المسيح ؟! وهل الشجرة التي بدا الله فيها ، أعظم شأنا من المسيح؟

الله لم يظهر لا في شجرة ولا في نار. النار كانت دليلاً لموسى وحين وصل نُودي يا موسى (وليس نادته الشجرة).

ملخص لما سبق:
الله ليس جسم ولا يتحيز لا في السماء الدنيا ولا في الجنة عند رؤية أهلها له. فقط الأجسام تتحيز في المكان والزمان. فان قلت لابد أن يتحيز أقول لك بذلك افترض دون أن تدري انه جسم حتى تستنتج انه جسم. ذات الله لا يطبق عليها القوانين التي تطبق فقط على الأجسام

ومن فمك أدينك. أنتم تقولون أن الله موجود في كل مكان, إذاً - حسب فهمك للتواجد - هو تجسد في كل مكان وليس في المسيح فقط.
وإن قلت أنه تواجد في كل مكان دون حاجة لتجسد ولا لتحيز و لا لتقسيم بذلك ترد على نفسك. و لا يحق لك ان تستنتج أن الله تحيز في السماء الدنيا.

وأذكرك, الأعتراض ليس عن تواجد الله في المكان - تواجد يليق به - بل الاعتراض عن تجسده و ما يتبعها من تناقضات. ولا علاقة للمسألة بالقدرة, لأني سأستعمل نفس منطقك وأسألك: أليس الله قادر على التجسد في زكريا أيضاً؟ و ماذا عن التلاميذ؟ إذاً الله سيمشي في الأرض ب 13 جسد فهل سيتصرفون كما لو كانوا نسخ متطابقة أم أن لكل شخصيته؟

و فى النهاية :
تدور هذه الإفتراءات حول محور رئيسي : طالما هناك نصوص عند المسلمين تفيد كون الله جسمًا أو محدودًا في مخلوقاته ، فلم يحارب المسلمون عقيدة التجسد وحلول الله في المسيح ؟

والجواب إجمالاً عن هذه الشبهات هو أن أهل السنة والجماعة المتبعين لعقيدة السلف الصالح من الصحابة و التابعين ومن سار على نهجهم ينزهون الله تعالى عن أن يشبه شئ من صفاته صفات المخلوقين ، وهذا يدل عليه قوله تعالى : ( ليس كمثله شئ) ، (ولم يكن له كفوا أحد) ، (فلا تضربوا لله الأمثال) .

وفي نفس الوقت فهم يثبتون له – جل و علا – كل ما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به سيد الخلق – عليه صلوات الله و سلامه – دون تشبيه أو تمثيل . وهذان الأصلان ( إثبات الصفات والتنزيه عن التشبيه ) هما اللذان سار عليهما أهل السنة و الجماعة .

فإن كان عسيرًا عليك تصور إثبات الصفات لله مع نفي تشبيهه بالمخلوقات قربنا لك الفهم من وجهين :

أولا :
اتفق جميع أهل الملل أن الله عالم قادر سميع بصير ، و هم مع ذلك لا يقولون أن علم الله كعلم أي من مخلوقاته كمًا أو كيفًا ، و لا أن قدرة الله كقدرة أي من مخلوقاته كمًا أو كيفًا ، و لا أن سمع الله كسمع أي من مخلوقاته ، و لا أن بصر الله كبصر أي من مخلوقاته . فلم يستلزم إثبات هذه الصفات أي تشبيه ، أليس كذلك ؟!
إذن من الطبيعي أن نتبع نفس المنهج مع كل ما أثبته الله لنفسه ، و هذا مما يقتضيه العقل و المنطق .


قال شيخ الإسلام في التدمرية :
القولُ في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر , فإن ما أثبت من الصفات على وجهٍ يليق بالله عز وجل , يلزمك الباقي على هذا الوجه اللائق بالله .
( ابن تيمية ، العقيدة التدمرية ص46 و كذلك مجموع الفتاوى ج5 ص212 )

و قال في الجواب الصحيح :
ومن فرق بين صفة وصفة ، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز ؛ كان متناقضاً في قولـه ، متهافتاً في مذهـبه ، مشابهاً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض .
( ابن تيمية ، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3 ص145 و كذلك مجموع الفتاوى ج9 ص290 )

و كذلك نحن جميعًا نثبت لله ذاتًا حقيقية و موجودة ، و في نفس الوقت لا نشبهها بذواتنا المخلوقة . فأولى بنا أن نتبع نفس المنهج و الأسلوب في إثبات الصفات كلها ، أليس كذلك ؟!

فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات ؛ فهي متصفة بصفات حقيقية لا تشبه الصفات ، وكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، كذلك إثبات الصفات .

يقول شيخ الإسلام :
إن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات , فكما أننا نُثبت لله ذاتاً لا تُشبه ذوات المخلوقات , فيجب أن نثبت كل ما ثبت في الكتاب والسنة من الصفات دون أن يكون فيها مشابهةٌ للمخلوقات .
( العقيدة التدمرية ص31 )

و هذا هو منهج أهل السنة و الجماعة مع كل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به نبيه – صلى الله عليه و سلم – فهم يثبتون الصفة فقط و لا يثبتون المثل الموجود في المخلوقات .

قال العلامة الشنقيطي :
ومن ظن أن صفة خالق السموات والأرض تشبه شيئا من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل، ملحد ضال، ومن آمن بصفات ربه جل وعلا منزها ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل. وهذا التحقيق هو مضمون: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فهده الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك لأن الله قال: (وهو السميع البصير) بعد قوله (ليس كمثله: شئ). ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات، فكأن الله يشير للخلق ألا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس (ليس كمثله شىء). فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه.
إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكل من أن تشبه صفات المخلوقين، فمن نفي عن الله وصفا أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم من الله (سبحانك هذا بهتان عظيم). من ظن أن صفة ربه تشبه شيثا من صفة الخلق فهذا مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين). ومن يسوى رب العالمين بغيره فهو مجنون .

( محمد الأمين الشنقيطي ، منهج و دراسات لآيات الأسماء و الصفات ص3 )

و قال شارح الطحاوية في شرحه لقول الإمام الطحاوي (ولا يشبه الأنام) :
ولكن المشهور من استعمال هذا اللفظ عند علماء السنة المشهورين : أنهم لا يريدون بنفي التشبيه نفي الصفات ، ولا يصفون به كل من أثبت الصفات . بل مرادهم أنه لا يشبه المخلوق في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما تقدم من كلام أبي حنيفة رحمه الله " أنه تعالى يعلم لا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا ". وهذا معنى قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . فنفى المثل وأثبت الصفة .
( ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص26 )


ثانيًا :
كيفية الصفة تختلف حتمًا باختلاف الموصوف ، فأنت مثلاً عندما تقول أن زيدًا حي يتبادر إلى ذهنك أن الحياة في زيد عبارة عن سريان الدم في الأوعية الدموية و ضربات القلب و تردد الأنفاس . و لكن عندما تقول أن النبات حي فلا يتبادر لذهنك نفس المتبادر من نفس الصفة عند إثباتها لزيد . و لا يقول أحد أن في وصف النبات بالحياة تشبيه له بزيد ، فهذا من الهراء الذي لا يخطر على عقل بشر .

نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل لا يعني أنه عز وجل يحل في مخلوقاته أو أن السماء الأخرى تعلوه أو أنه يغادر عرشه ، فهذا كله منفي عنه ولا يجوز في حقه .

بل نؤمن أنه ينزل نزولاً يليق به كما تنزل المخلوقات نزولاً يليق بها ، بالضبط كما نؤمن جميعًا بأنه يبصر ويسمع كما يليق به لا كما تبصر المخلوقات وتسمع .

فنحن هنا نثبت لله صفة النزول دون إثبات ما تستلزمه من نقص في حق المخلوقات لأنه تعالى ليست ذاته العلية كذواتنا المخلوقة ، فلا يلزمه ما يلزم المخلوقات .

وهكذا أجاب فضيلة العلامة ابن عثيمين رحمه الله لمن سأله نفس السؤال :
هل النزول يستلزم أن تكون السماء تقله وإن السماء الأخرى فوقه ؟
الجواب : لا يلزم ، بل نعلم إنه لا يمكن ، وذلك لأنه لو أقلته السماء لكان محتاجًا إليها ، ولو أظلته السماء الثانية لكانت فوقه ، والله عز وجل له العلو المطلق أزلاً وأبدًا ، إذن فليست السماء تقله ولا السماء الأخرى تظله .

(محمد بن صالح العثيمين ، شرح العقيدة السفارينية ص270)

وقس على هذا كل ما ورد في خلق الله تعالى لآدم بيده ورؤية المؤمنين له يوم القيامة ، فهذا لا يستلزم "محدودية" الله أو حلوله في المخلوقات .

أما ما زعمته من حلول الله في الشجرة ، فهو كذب محض ، فأين في القرآن أو كلام المفسرين أن الله عز وجل حل أو تجسد في الشجرة ؟

وأين هو فيما أوردته من نصوص ؟

خلاصة ما يخبرنا به القرآن ويشرحه المفسرون هو أن موسى عليه السلام نودي من عند الشجرة ، وسواء قلنا أن شبه الجملة يعود على موسى أو على الله فلا شبهة ؛ فسواء كان المعنى أن موسى كان عند الشجرة وسمع النداء هناك أو أن النداء أتاه من جهة الشجرة ، فليس هناك ما يفيد هذه المقدمة المهولة من أن الله حل وتجسد في الشجرة وما بنيته عليه من كون عيسى عليه السلام أجل وأعظم من الشجرة فهو أحق بالتجسد ، وما زدت عن أن احتججت بكذب على كذب وهانت عليك كرامتك وعقلك .

في النهاية نقول لمن أراد أن ينبه المسلمين لنصوص كتبهم ويرى أن العناد والتكبر هو الذي أعماهم عنها ، ويدعوهم للترحيب به "فنحن لسنا في غزوة" على حد قوله ، نقول له :
العجب العجاب أن يأتينا أحدهم بعقيدة باطلة وهي زعمه أن المسيح هو الله المتجسد يجادل عنها بالباطل ليقنعنا بها ، ويزعم أن القرآن لا يعارضها ، والواقع أن القرآن جاء بضدها ، وبتكفير من قال بها فقال تعالى في سورة المائد
ة : { لقد كفر الدين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير }

صدق الله العظيم .